إن حادثة الإسراء والمعراج لم تكن مجرد حدث عادي، إنها رحلة سماوية حملت في طياتها دروسًا عظيمة وعبرًا بليغة للبشرية! فما الدروس والعبر من الإسراء والمعراج؟ في هذه الرحلة المعجزة مكافأة ربانية..؛ شاهد فيها النبي ﷺ عيانًا جانبًا من ملكوت السموات والأرض، ورأى من الآيات العظيمة، ما طمأن روحة وسرّى عن فؤاده المحزون. إليكم أهم الدروس والعبر من الإسراء والمعراج، والحكمة وأبرز المعاني التي اشتملت عليها الرحلة النبوية المعجزة.
تمهيد لرحلة الإسراء والمعراج
كان أبو طالب داعماً وحامي للنبي ﷺ يقف بجانبه ويدفع عنه أذى مشركي قريش، فلما توفي أبو طالب؛ نال النبي ﷺ أذىً كثيرًا، وكانت زوجه السيدة خديجة، اليد الحانية لما يصيبه ﷺ من الأذى النفسي من أعدائه، فلما رحلت رضي الله عنها، فقد النبي ﷺ بموتهما داعمين أساسيين وسنديّ طريقة.
وبعد أن اشتد عليه ﷺ أذى قريش وضاق عليه الخناق؛ خرج إلى الطائف يطلب النصرة من زعمائها وحماية الدين، حتى يبلغه للعالمين، فلم يجد منهم إلا الصد وأقبح الرد؛ فقد آذوه ورجموه، بل وألبوا عليه قريش، فتجهمت له وتربصت به، فزاد همه وحزنه حتى سمى ذاك العام بـعام الحزن. وبعد هذه المحنة كانت المنحة ومكافأة الربانية(الإسراء والمعراج).
الدروس والعبر من الإسراء والمعراج
إليكم أهم الدروس والعبر من الإسراء والمعراج:
دروس من حالة خاصة بالنبي محمد ﷺ:
- لكل محنة منحة: تعرض النبي ﷺ لمحن عظيمة وإيذاء كبير من قومه في مكة وخارج مكة؛ وقفوا في وجه الدعوة وحاصروا النبي وأتباعه وخصوصاً بعد وفاة عمه أكبر حماته، ورسول الله ماضٍ في إبلاغ الرسالة لا تأخذه في الله لومة لائم، فقدر الله حادثة الإسراء والمعراج، إكرامًا لنبيه ﷺ على صبره وجهاده.
- شجاعة عالية تميز بها النبي: تجسدت في مواجهة مشركي مكة بأمر لا تدركه عقولهم، ولم يخف من سخريتهم أو التعرض لإنكارهم، فضرب ﷺ بذلك أروع مثال للأمه في الجهر بالحق.
الدروس والعبر من الإسراء والمعراج العامة:
- كان الرسول ﷺ وأتباعه يقدمون على مرحلة تاريخية جديدة؛ مرحلة الهجرة لبناء دولة الإسلام، ولابد لأساس البناء أن يكون قويًا متماسكًا فكانت هذه الحادثة تمحيص، ليتخلص الصف من الضعاف والمتشككين، ويثبت المؤمنون الأقوياء.
- صلاة النبي ﷺ بالأنبياء في بيت المقدس: فيها دلالة على تسليم القيادة له ولدينه وأنه وارث الأنبياء وإمام المرسلين، فهو إيذانا بعموم رسالته وخلودها وصلاحيتها لكل زمان ومكان، وأن شريعة الإسلام قد نسخت الشرائع السماوية السابقة.
- أهمية المسجد الأقصى: كان بالإمكان أن يعرج النبي ﷺ من مكة إلى سدرة المنتهى مباشرةً، لكن المرور ببيت المقدس كان له دلالات أهمها:
- الربط بين البقاع المقدسة؛ أرض الأنبياء ومهبط الرسالات السابقة والخاتمة (القدس ومكة) يدل على صلة الرسالات السماوية بعضها ببعض.
- الربط يشعر المسلمين بأن مسؤوليتهم تجاه المسجد الأقصى، كما هي مسؤوليتهم تجاه المسجد الحرام.
- أي تهديد للمسجد الأقصى هو تهديد ومقدمة للنيل من المسجد الحرام.
- أهمية الصلاة: ثبت في السنة أن الصلاة فرضت في ليلة المعراج في السماوات العلى، وفيه دلالة على عظم مكانتها، فكل الفرائض أقرت على الأرض إلا الصلاة، لعظم منزلتها في الدين، فهي عمود الدين، ومن آخر ما أوصى به النبي ﷺ وهو على فراش الموت.
معاني وفوائد أخرى من رحلة الاسراء والمعراج
من المعاني الأخرى والدروس والعبر من الإسراء والمعراج أيضًا:
- الإسلام دين الفطرة: ظهر ذلك في اختيار النبي ﷺ اللبن حين خُير بينه وبين الخمر، فقال له جبريل: “هديت للفطرة”، أي أن الإسلام دين الفطرة البشرية الذي يتماشى وينسجم معها، فخالق الفطرة أنزل هذا الدين الذي يلبي حاجات الفطرة ويحقق طموحاتها ((فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ..))
- الخوارق والمعجزات: تدل على قدرة الله اللامحدودة على تجاوز حدود الزمان والمكان ومنها:
- انتقال النبي ﷺ من مكة إلى القدس والعروج إلى السماء ثم الرجوع في ليلته.
- البراق: الذي حمل النبي ﷺ، تميز بالسرعة الخارقة في ذاك الزمان.
- كلام النبي ﷺ مع ربه دون رسول ولا حجاب.
- اجتماعه ﷺ بالرسل والأنبياء.
- اطلاعه ﷺ على عوالم الغيب؛ الملائكة، السموات، الجنة، النار ومشاهد من النعيم والعذاب.
هذه المعجزات حقائق تؤكد صدق رسالته ﷺ، وتدعو إلى التفكر في عظمة الخالق وقدرته. يجب على المسلم الإيمان والتصديق بها.
الحكمة من رحلة الاسراء والمعراج
يمكن تلخيص حكمة الإسراء والمعراج كالتالي:
- التعزية للنبي: جاءت رحلة الاسراء والمعراج في فترة عصيبة من حياة النبي ﷺ، فكانت هذه الرحلة بمثابة تعزية ودعم له وتأكيد على صدق رسالته.
- اطلاع النبي ﷺ على آيات كونية عظيمة: ((لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا)) (﴿لقد رأى من آيات ربه الكبرى)﴾ وذلك كي يملأ قلبه ثقة ويقين، حتى يصمد في مواجهة سلطان الباطل.
- الكشف عن مشاهد لقدرة الله اللامحدودة.
وهكذا تعرفنا الدروس والعبر من الإسراء والمعراج والتي تعد كمنارات ترشد خطانا في رحلة الحياة؛ تحثنا على التمسك بالحق، والصبر على البلاء، والإيمان بالجزاء. وتلهمنا هذه الدروس والعبر من الإسراء والمعراج العزم والثبات للسير على طريق الهدى، راجين رضا الله والفوز بالجنة.